لبنان ورفع الدعم…”البطاقة التمويلية ” لتأجيل الحراك والانفجار الشعبي
الكاتب: الدكتور علي حمّود
ربما كانت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان بمثابة المحاولة الاخيرة لإحياء المبادرة الفرنسية التي اطلقتها باريس منذ تسعة اشهر، محاولة انتهت بمغادرة لودريان بيروت خالي الوفاض ملوحًا بسيف العقوبات الفرنسية الأوروبية على السياسيين اللبنانيين الذين ضربوا عرض حائط المبادرة الفرنسية. وبدى المشهد بعد زيارة لودريان على الشكل التالي، الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري أمام ثلاث خيارات: التشكيل, الإعتذار أو بقاء الوضع على ما هو عليه حتى إنتهاء العهد، فيما المواطن يترقب بقلق دوران عجلة الانهيار الاقتصادي، مع دخول المرحلة الثانية من خطة رفع الدعم التدريجي وشبح العتمة وشلل القطاعات الاقتصادية وتردي القطاع السياحي .
و مع نفاد احتياطي مصرف لبنان من العملة الصعبة، الأمر الذي جعل رفع الدعم واقعاً لا محال، فبعد الخطوة الأولى من رفع الدعم في منتصف ٢٠٢٠، عندما شهدت الأسواق تلاعباً بالسلع المدعومة وشحها وفوضى بآلية التسعير، وبعد أن أصبح نصف السكان فقراء وفئة تُقدّر بـ٢٣ ٪ منهم تعاني فقراً مدقعاً وإرتفاع البطالة إلى حدٍّ لامس ٤٥٪ لعام ٢٠٢١ حسب التقديرات و تفاقم الوضع مع جائحة كورونا وإقفال الكثير من المؤسسات والمحال التجارية اضافة الى التقلبات الحادة لسعر الصرف.
هذا الواقع ينذر بانفجار شعبي ويتطلب مساعدات عاجلة تحد من حرمان هذه العائلات من أدنى مقومات الحياة والعيش بكرامة. فكان لا بدّ من الإسراع في التطبيق الفعلي للبطاقة التمويلية دعماً للعائلات الأقل انتاجًا، وهو مشروع قد تمت دراسته من قبل اللجنة الحكومية، ومن المنتظر ان تحيله حكومة تصريف الأعمال على البرلمان لدراسته واقراره أواخر آيار، بعد أن ربط رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب رفع الدعم باقراره “البطاقة التمويلية” بسبب نفاد الإحتياطي المتبقي والعملات الصعبة من أموال المودعين حيث بلغت كلفة الدعم أكثر من ٦ مليار دولار لعام ٢٠٢٠ لدعم المحروقات والقمح والأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الغذائية.
ومن المفترض ان تغطي “البطاقة التمويلية” قرابة ٧٠٪ من أصل مليون ومئة ألف عائلة فقيرة، اي حوالي ٧٥٠ ألف عائلة أشد فقراً بمبلغ شهري يدفع بالليرة اللبنانية يصل إلى ٨٠٠ ألف ليرة، وتغطي فارق المساعدات في برنامجي وزارة الشؤون الإجتماعية بعد توحيد البرامج مع البنك الدولي، وذلك بعد ان كانت ثلاثة برامج رسمية تدعم العائلات، وهي برنامج الجيش و يستفيد منه ٣٠٠ ألف عائلة، تحصل على ٤٠٠ ألف شهرياً، وبرنامج وزارة الشؤون الإجتماعية وتستفيد منه ٥٠ ألف عائلة بمساعدة تصل إلى ٨٠٠ ألف ليرة، والبرنامج الثالث يتألف من مشروع القرض الميسر من البنك الدولي بقيمة ٢٤٦ مليون دولار، عن طريق اعداد بطاقات تستهدف ١٦٠ ألف عائلة بمعدل ٨٠٠ ألف ليرة شهريًا. مما سيخفف عن كاهل المواطن وطأة رفع الدعم، وستشمل موظفي القطاعين، العام والخاص، مع سعي الحكومة لتوحيد داتا العائلات اللبنانية .
واقع معيشي واقتصادي وصل اليه لبنان بعد أن كان منارة الشرق والوجهة السياحية والخدماتية والتعليمية لدول الخليج، زد على ذلك نظام مالي ومرفأ ومشفى كما وصفه المفكر ميشال شيحا لجميع الدول العربية.” أصبحنا شعوب متسولة تنتظر مساعدات وقروض البنك الدّولي”.
اما عن أبرز الإشكاليات التي تعيق تنفيذ هذا البرنامج، آلية الإستمرار في التمويل وكيفية التوزيع العادل.
وعن آلية الاستمرار في التمويل في ظل الإنهيار الحر للإقتصاد وانخفاض عوائد أو مداخيل الدولة من الجباية والضرائب والجمارك، فلا بد من الإعتماد على قروض البنك الدّولي والدول المانحة لإستدامة المشروع، وعند التقصير سيتم الإتكال على التمويل من مالية الدولة عبر طبع المال الذي لا يزيد من الناتج الإقتصادي بل يسبب بزيادة حجم الكتلة النقدية والتضخم وارتفاع اسعار السلع و سعر الصرف مما قد يجعل مشروع “البطاقة التمويلية” بلا جدوى ولا تغطي أكثر من ٢٠ إلى ٢٥٪ من حاجة العائلة.
أما على الصعيد الآخر ومستوى الشفافية في التوزيع، فتبرز مخاوف من دخول البطاقة التمويلية في بازار الزبائنية السياسية والمحسوبية، وقد تتحول “البطاقة التمويلية الى عامل مؤثر في انتخابات عام ٢٠٢٢ من قبل الأحزاب والطبقة الكليبتوقراطية مع غياب العدالة في التوزيع وعدم توحيد داتا العائلات، فضلاً عن صعوبة وجود حل للحد من العجز في ميزان المدفوعات بعد أن وصل إلى ١٠،٣ مليار دولار العام الماضي ٢٠٢٠.
امام ما تقدم أتفق مع العديد من المراقبون أن اي مشروع لن ينجح دون تشكيل حكومة فاعلة ومدعومة من المجتمع الدولي والخليجي والمؤسسات المالية الدولية.
أخيراً وليس آخراً، البطاقة التمويلية ليست الحل وليست شبكة أمان اجتماعية للمواطن، ولن تؤمن الاكتفاء الذاتي في ظل إنخفاض قيمة الليرة أكثر من ٨٨٪ وإرتفاع الأسعار بنسبة ٤٠٠٪ للسلع الأساسية و ٥٠٠٪ للأدوية الغير مستعصية وإبقاء الدعم على أدوية الأمراض المزمنة، و ٣٠٠٪ للمحروقات في آخر أيار بعد رفع الدعم والإبقاء على دعم القمح بـ١٥٠ مليون دولار سنوياً.
ومن الواضح ان إستمرار الدعم من أموال المودعين أو إستبداله الآن بـ”البطاقة التمويلية” التي لم يحسم امر تمويلها بعد، وهذا ان دل على شيء فهو بمثابة هروب الى الامام لتأجيل الانفجار والحراك الشعبي وانتظار الحلول الدولية والإقليمية من ڤينا إلى طهران والرياض ودمشق.